Categories
Uncategorized

غاية الكتاب المقدس

تماما كما شارك يسوع بعض الحقائق عن الكتاب المقدس مع تلاميذه ليفتح ذهنهم ليفهموا الكتاب لأول مرة، كذلك نريد أن نشارك معكم بعض الحقائق التي نأمل أن تفتح أذهانكم لتفهموا هذا الكتاب العظيم. لذلك نرحب بكم في هذا الدرس الجديد من مدرسة الكتاب المصغرة. نقرأ في الإصحاح الرابع والعشرين من إنجيل لوقا بعض من الكلمات المهمة. هنا قد سبق يسوع وقام من الموت وكان يمشي مع رجلين على طريق عمواس. هذان لم يعرفا أنه يسوع أما هو فعرف أنهما كانا محبطين ويائسين. بسبب كون الذي وضعا فيه أمليهما أن يكون المسيا قد مات صلبا. فوبخهما لعدم معرفتهما الكتب، قائلا لهما ما معناه “أنتم أغبياء لأنكم تستصعبون أن تؤمنوا بما سبق وكتبه الأنبياء في الكتب المقدسة. أم يتنبأ مسبقا وبوضوح أن المسيا سوف يعاني كل هذه الآلام قبل أن يتمجد. ومن ثمة بدأ يسوع يقتبس مقطعا تلو الآخر من كتابات الأنبياء مبتدئا من سفر التكوين، متابعا عبر باقية الأسفار، شارحا ما كانت الأسفار تقوله وتعنيه عنه.

ومن ثمة قال لهما أما تذكران ما قلته لكم جميعا؟ أن كل ما كتبه موسى والأنبياء وفي المزامير هو حقيقة؟ ومن ثمة فتح ذهنهما ليفهما الكتب.

فما هي تلك الحقيقة التي شاركها يسوع مع تلاميذه عن الكتاب المقدس؟ والتي فتحت أذهانهم ليفهموه؟ إنها بكل بساطة قول يسوع أن كل ما جاء في الأسفار المقدسة مكتوب عني. هذا بالتحديد ما فتح أذهان التلاميذ ليفهموا الكتب.

وفي الإصحاح الخامس والعددين التاسع والثلاثين والأربعين من إنجيل يوحنا، قال يسوع الشيء نفسه لرجال الدين الذين عاصروه. لقد كان يحاجونه بخصوص إدعاءاته عن نفسه وهو كان يجيب: “أنتم لا يعوزكم برهان فإن كنتم تريدون أن تؤمنوا بأني أنا هو المسيا فلديكم البرهان الكافي”، ومن ثمة يبدأ يسوع بتعداد البراهين مثل شهادة يوحنا المعمدان بتأييد يسوع، وشهادة الله الآب من خلال معموديته، والمعجزات والعجائب التي حققها يسوع. وقال ما هو معناه: “أنتم خبراء في الكتب المقدسة، وأنتم دائما تفتشون الكتب لأنكم دائما تظنون أنه إن أصبحتم خبراء في الكتاب المقدس فهذا سيعطيكم حياة أبدية”. ثم أضاف يسوع: “كل الكتب المقدسة تشهد لي وأنتم لا تريدون أن تأتوا إلي لتكون لكم حياة”.

يقول أوسولد تشامبرز أن هذه العبارة التي قالها يسوع “كل الكتب تشهد لي” هي العدد المفتاحي للكتاب المقدس. لأنه يرينا أن جوهر الكتاب المقدس هو يسوع. هذه هي الحقيقة التي شاركها يسوع مع تلاميذه ليفهموا الكتاب المقدس بجملته.

هناك أربه غايات أو أهداف أود أن أشاركها معكم، الغاية الأولى للكتاب هي: تقديم يسوع كفادي ومخلص للعالم. ولتحقيق هذه الغاية، وليفهمنا العهد القديم أن يسوع سوف يأتي ولكي يفهمنا العهد الجديد أن يسوع قد أتى، كان لابد للكتاب المقدس أن يقدم لنا بشكل طبيعي الإطار التاريخي الذي أتى فيه يسوع.

الغاية الثانية للكتاب المقدس هي: تقديم تاريخ المخلص والخلاص الذي تحقق بواسطته. علينا هنا أن ننتبه إلى عدد الإصحاحات المعطى بتفاوت في الكتاب المقدس لمواضيعه المختلفة. أظن أن هذا سيساعدنا أن نفهم ما هي غاية الكتاب المقدس أو هدفه، أو ما هو ليس هدفه. خذ على سبيل المثال قصة حياة المسيح المدونة في الأناجيل الأربعة في العهد الجديد: متى مرقس لوقا ويوحنا. فإذا جمعت عدد إصحاحات هذه الأناجيل الأربعة كانت الحصيلة تسعة وثمانون. أربعة فقط من هذه الإصحاحات التسعة والثمانون في الأناجيل الأربعة تتكلم عن ولادة يسوع وعن السنوات الأولى من حياته. والخمسة والثمانون إصحاحا الباقية تتكلم عن الثلاث سنوات الأخيرة في حياة يسوع. سبعة وعشرون إصحاح تغطي الأسبوع الأخير من حياته. فإذ تنظر مستمعي الكريم إلى هذه الأناجيل الأربعة كما تقدم حياة يسوع المسيح، أي ناحية من حياته تظن أنها كانت الأكثر أهمية بالنسبة لكتاب الأناجيل؟ هل ولادته والسنوات الثلاثين الأولى من حياته؟ أم السنوات الثلاثة الأخيرة من خدمته العلنية؟ ولاسيما الأسبوع الأخير عندما مات يسوع على الصليب من أجل خطايانا ومن ثمة قام من الموت. فإذا نظرنا إلى الفسحة المعطاة في الأناجيل الأربعة لأجزاء حياة يسوع المختلفة، فليس من الصعب الوصول للاستنتاج التالي، الأسبوع الأخير من حياة يسوع هو أكثر أهمية بسبع مرات من ولادته ومن السنوات الثلاثين الأولى التي عاشها.

نحن نفرط بالاهتمام بعيد الميلاد، أما الكتاب المقدس فيركز على الفصح. فإنجيل يوحنا مثلا يقسم إصحاحاته إلى نصفين، هو يخصص نصف إصحاحاته الأول للحديث عن ولادة المسيح وعن الثلاثين سنة الأولى من حياته. وعن الثلاث سنين من خدمته العلانية. أما النصف الآخر من إصحاحات إنجيل يوحنا، فيخصصها للحديث عن الأسبوع الأخير من حياة يسوع والذي ندعوه بالأسبوع المقدس. فما هو الأهم في حياة يسوع كما تقدم لنا هنا؟

إن الأناجيل الأربعة ليست مجرد قصة حياة اعتيادية، بل انتقائية، تشدد على النواحي الأهم في حياة المسيح. فاثنان من الأناجيل الأربعة لا يذكران شيئا عن ميلاد المسيح. ولا عن الثلاثين سنة الأولى من حياته. فنرى إذا هذه الأناجيل بسردها الانتقائي تحاول أن تقول لنا شيئا واحدا مهما: “إن يسوع جاء خصيصا من اجل الأسبوع الأخير. حيث مات عن خطايانا وقام من الأموات.

وهكذا إذا تعودت إلى النظر إلى عدد الإصحاحات المخصصة في الكتاب المقدس لمواضيعه المختلقة تجد أنه يحتوي بمجمله على 1189 إصحاحا. فقط أحد عشر إصحاحا منها تغطي تاريخ الكون، تاريخ الأرض، الإنسان، اللغة، الشر، وتاريخ الحضارات والشعوب المختلقة، التي أرادنا الله أن يخبرنا عنها. كل هذا مشمول فقط في الإصحاحات الأحد عشر الأولى من الكتاب المقدس. وبالنظر إلى فلسفتك الخاصة عن أصل الكون، فإن هذه الإصحاحات الأحد عشر قد تغطي ملايين من السنين بنظرك.

في سفر التكوين سرعان ما تصل إلى الإصحاح الثاني عشر. حتى تلتقي بشخص اسمه إبراهيم. وابتداء من الإصحاح الثاني عشر من سفر التكوين وصولا إلى الإصحاح الثاني والعشرين من سفر الرؤيا، ما مجموعه 1178 إصحاحا. وكلها تتحدث عن إبراهيم ونسله. وخاصة هذه النسل الذي به تتبارك جميع الأمم وقبائل الأرض الذي هو المسيا يسوع.

يركز الكتاب المقدس على ألفي عام من تاريخ العبرانيين. ليس هدف الكتاب المقدس ولا غايته أن يكون كتابا مفصلا عن الخلق، ولا عن تاريخ الكون أو الأرض أو الإنسان. هو ليس كتاب حضارات. بل هدف الكتاب المقدس هو واحد. وهو الخلاص والفداء. إن هدفه أن يخبرنا كيف حصل الخلاص. كيف جاء المخلص، كيف جاء الفادي. وهكذا نصل إلى إبراهيم بسرعة. فاهتمام الكتاب المقدس منصب على تلك الحقبة الممتدة من إبراهيم إلى المسيح. والتي تمتد إلى ألفي سنة.

مثال ثالث على عدد الإصحاحات أو الفسحة المعطاة لبعض المواضيع هو التالي: لاحظ الحجم المعطى للعهد الجديد بالمقارنة مع العهد القديم. في العهد الجديد هناك 260 إصحاحا. أما في القديم فهناك 929 إصحاحا. وعلى الرغم أن العهد الجديد يحتوي على 260 إصحاحا، يكثر الذين يقولون أنا لا يهمني شيء من العهد القديم. أعطني العهد الجديد فقط.

فعندما أقوم بدراسة شاملة للعهد القديم ومن ثمة ننتقل للعهد الجديد يقول لي البعض: “أخبرني عندما تصل للعهد الجديد، وعندها سأنضم لحلقات الدراسة، أنا غير مهتم بالعهد القديم”. بالحقيقة أنا أومن أن العهد القديم هو كلمة لله النقية. وانه لابد أن الله يقول لنا الكثير في إصحاحاته ال 929. ولهذا أرجو أن لا يكون هذا الكتاب مغلق لديك. فهذه الأشياء شاركها يسوع مع الرسل ليفتح أذهانهم ليفهموا الكتاب المقدس.

والهدف الثاني للكتاب بحسب الرسول بولس هو أن الله أعطانا الكتاب المقدس بالوحي لكي يكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح يريده الله أن يعمله.

ونستطيع أن نقول بالمعنى الدقيق للكلمة أن الكتاب المقدس لم يكتب أصلا لغير المؤمن بل للمؤمن. فلدى الله عملا يريدك أن تعمله لتمجده به. وليؤهلك الله بأن تقوم بهذا العمل أعطاك ستة وستين سفرا موحى بها ومملوءة بالحقيقة التي يريدك الله أن تعرفها.

الهدف الأخير للكتاب المقدس نجده مركز عليه في إنجيل يوحنا. الذي يخاطب غير المؤمن. عندما كتب يوحنا الإنجيل الرابع قال: “وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ”. (يوحنا 30:20-31). أرادنا يوحنا أن نحصل على الحياة الأبدية، أي تلك النوعية من الحياة التي قصد الله أن يمنحها لنا. وهكذا فأن يوحنا يلفت أنظارنا إلى أن هذه هي غاية يسوع من مجيئه. لذلك أراد يوحنا أن يعرفنا أن يسوع أتى ويعرفنا عليه.

وأرادنا كذلك أن نعرف ما هو الإيمان، وقال ما معناه: “لقد كتبت هذه الأمور عن يسوع من أجلكم أنتم الذين لا تؤمنون، حتى تتفحصوا سجل الآيات والمعجزات التي حققها يسوع لكي تؤمنوا أن يسوع هذه الشخصية التاريخية هو المسيح. إن آمنتم بهذا فسوف يحصل لكم أمر عجيب. سوف تحصلون على الحياة الأبدية. هذا هو السفر الوحيد بين الأسفار الستة والستين التي يمكن اعتباره موجها لغير المؤمن.

أعتقد أننا نستطيع تلخيص الهدف الأخير كالتالي: “لدى الله رسالة واحدة فقط لغير المؤمن بحسب الكتاب المقدس. وهذه الرسالة هي تب وآمن بالإنجيل. وبعد أن يتوب غير المؤمن ويؤمن بالإنجيل فلدى الله ستة وستون سفرا مقدسا مملوءا بالحق لهذا المؤمن. وهكذا نجد أن هناك أربعة غايات أو أهداف للكتاب المقدس. الهدف الأول تقديم يسوع المسيح، الهدف الثاني تقديم تاريخ يسوع المسيح، الهدف الثالث دعوة غير المؤمن لكي يؤمن والهدف الأخير تكميل الذي يؤمن.

أرجو الآن أن أتحدث عن تاريخ الكتاب المقدس، وأتساءل ما إذا كنتم تستطيعون الإجابة على مثل هذه الأسئلة. من هم الذين كتبوا أسفار الكتاب المقدس؟ متى كتبوها؟ أين كتبوها؟ بأية لغة كتبوها؟ هل لدينا اليوم أية مخطوطة من المخطوطات الأصلية التي كتبوا عليها؟ من حفظ لنا هذه الأسفار؟ من ترجم هذه الأسفار للغتنا؟ ومن اختار هذه الأسفار ووضعها في مجموعة من الكتب المقدسة؟ من أعطى السلطة للبعض باختيار هذه الأسفار؟ ومتى تم اختيارها؟ من جمع هذه الأسفار ونظمها لكي تأتي بالكتاب المقدس على شكله اليوم؟

هناك العديد والمزيد من هذه الأسئلة التي سيطرحها الناس عليكم خاصة عندما تقولون لهم أنكم قمتم بدراسة شاملة للكتاب المقدس. فسوف يتوقعون منكم الإجابة ولو بإيجاز على أسئلتهم.

يوف نعالج في البداية قضية كتابة أسفار الكتاب المقدس. لقد سبق وقلنا أن الله هو الذي كتب هذا الكتاب. ولكن ماذا نعني بقولنا أن الله هو الذي ألف الكتاب المقدس؟ لقد سبق وأجبنا على هذا السؤال عندما تكلمنا عن الوحي. من خلال معجزة الوحي حرك الله أشخاصا ليكتبوا الأسفار. فبالحقيقة الله هو الذي ألف الكتاب المقدس.

هناك عبارتان نحتاج أن نفهمهما عندما نتكلم عن كون الله ألف أسفار الكتاب. العبارة الأولى هي الإعلان، والإعلان هي العبارة الشاملة التي تغطي كل الوسائل التي استخدمها الله ليعلن الحقيقة للإنسان. فالله يعلن الحقيقة للإنسان من خلال الطبيعة. وهو يعلن لنا الحقيقة شخصيا من خلال الروح القدس وبطرق مختلفة. والوحي هو ما يسميه اللاهوتيون بالإعلان الخاص. فالكتاب المقدس هو إعلان الله الخاص. إذ له بداية ونهاية. فقد حرك الله رجالا عبر حوالي ألف وست مائة عام ليكتبوا هذه الأسفار.

حوالي عام 90 م عندما كان يوحنا يختم سفر الرؤيا قال أنه أضاف أحد شيئا على هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وكذلك حذرنا من حذف أي شيء في الكتاب المقدس. فعندما وصل الإعلان الخاص إلى نهايته فهذا يعني أنه انتهى وهذه معجزة مميزة. ولهذا أطلق اسم الإعلان الخاص المميز على الكتاب المقدس.

أحيانا يتساءل الإنسان: “هل ليزال الله يعطي إعلانا شخصيا؟ هل يكلمني شخصيا؟” “نعم! إنه يفعل ذلك بالطبع”، وهنا يفرض سؤالا آخر نفسه: إن كان هناك إذا ما يسمى بالإعلان الشخصي وكذلك الإعلان الخاص، فأيهما أهم؟ أنا أومن بالإعلان الشخصي والإعلان الخاص. ولكني أومن أن الإعلان الخاص دائما له سلطة على الإعلان الشخصي. فإذا جاءني أحدهم كوني قسيسا وقال لي انه يريد أن يترك زوجته قائلا أنها لا تطاق وسوف أتركها.

ولو سألته: “هل خانتك مرة؟”

يجيب: “كلا بالطبع كلا ولكنني لم أعد أطيقها ولم اعد أريد أن أكون متزوجا”. وعندما يدعي هكذا شخص بالقول الله قال لي أن أتركها، عندها أوبخه بسلطان قائلا: “الله لم يقل لك شيئا البتة مثل هذا، لأن الله في الإعلان الخاص أي في الكتاب المقدس لن يسمح لك بترك زوجتك، بل يأمرك بالالتصاق بها وبعدم إمكانية كسر رباط الزواج” هذا ما يعلمه الإعلان الخاص أي الكتاب المقدس ولا يمكن للإعلان الشخصي مناقضته.

أنا أومن بعمق بالإعلان الشخصي ولكن أعتقد أن له محاذير كثيرة ينبغي ذكرها، كن حذرا عندما تنطق بالعبارة :قال الرب لي” فكثيرا ما نقولها في وقت لم يقل الله شيء لنا. بل كل ما نكون بصدده هو أننا نؤله أدوارنا وآرائنا ونحتفظ لأنفسنا بالكلمة الأخيرة.

أذكر عندما كنا منذ سنوات مضت نبني كنيسة، وكنا متفقين على كل خطة البناء بحذافيرها إلى أن وصلنا إلى لون الدهان الذي سوف نطلي به الكنيسة. وكان لكل منا رأيه ولونه المفضل. وذات مساء وبينما كنا نبحث قضية الألوان، جاءتني سيدة متخصصة بالديكور تحمل بيدها قطعة من السجاد إلى جانب قطعة من القماش الملون. ولكنها لم تقل مثلا أظن أن هذه الألوان سوف تكون مناسبة للمنبر بل قالت: “الله قال لي أن هذه هي الألوان التي ينبغي علينا استخدامها”. بصراحة أنا لا أصدق أن الله قال لها هذا وأنا لا أصدق عادة الذين يقولون مثل هذا الكلام. فكل ما حصل أنها كانت تأله رأيها وذوقها. لذلك علينا أن نتوخى الحذر عندما نحاول أن نقول أن الله قال لنا شيئا.

بينما يشدد المؤمن على عبارات الإعلان والوحي، يشدد العالم اليوم على كلمات مثل عقلاني، منطقي، إنساني. وأنت عندما تصبح مسيحيا فأنت لا تصبح لا عقلاني ولا منطقيا ولا إنسانيا. أعتقد أن المؤمن الذي في الكتاب المقدس ككلمة الله وبين الأشخاص الذين يضعون كل ثقتهم بالعقل والمنطق والإنسانية، هو أن هؤلاء اتكلوا على عقل الإنسان بدل الإعلان، وكأنهم يقولون أنا لا أحتاج إعلانا فلدي عقل. أنا أعتقد أن المعيار الذي يدربنا في البر بحسب الكتاب المقدس، ويميز الصواب من الخطأ هو الإعلان. هذا ما نقصده بقولنا أن الله كتب أسفار الوحي.

ولكن علينا أيضا أن نقول أن هناك أناسا دونوا هذه الأسفار. بين هؤلاء كان الملوك، صيادو السمك، رعاة الغنم، القادة العسكريون والسياسيون منهم. أحدهم كان طبيبا والآخر كان عشارا جابي ضرائب. فإذا دريت قصة جمع الكتاب المقدس لكنت وافقت الشاعر “درايدن” في تعجبه وتساؤله القائل: “لولا الوحي الإلهي كيف يمكن لرجال غير بارعين في الحرف والقانون، فرقتهم الأراضي والسنون، أن ينسجوا هكذا حقائق متناسقة، وأن يخدعونا بكذبات متلاحقة، أو كيف ولماذا يمكن لهم أن يتآمروا فيما بينهم، رغم المسافات والأزمان التي فرقتهم، وأن يتحملوا الآلام والاضطهاد، الجوع والاستشهاد، لولا ثقتهم بمصداقية ما نقلوه لنا بالوحي الإلهي. أعتقد أن هذا تساؤل رائع.

إذا تفكرت في كون أناس قد دونوا هذه الأسفار، فأنت تحتاج إلى دراسة كيفية حدوث هذه المعجزة. فسوف تجد أن أسفار العهد القديم قد اختارها أشخاص مثل عزرا الذين كانوا يدعون بالكتبة. ففي حوالي سنة 100 ميلادية تم الاتفاق في مجمع “جمانيا” على اختيار الأسفار التي سبق وجمعت معا قبل هذا التاريخ ب300 أو 400 سنة. أما أسفار العهد الجديد فقد جُمعت في مجلد واحد حوالي عام 692 م في مجمع ترولان. المعيار الأهم في اختيار أسفار العهد القديم هو هوية الكاتب وسمعته كنبي. أما في اختيار أسفار العهد الجديد فقد تم استخدام معيار معين سمي بالقانون. وكان يقع في ثلاثة أجزاء.

أجزاء هذا القانون ثلاثة، أولها: ما إذا كان كاتب هذا السفر من الرسل الأوائل، أو كان على علاقة وثيقة جدا بالرسل. ثانيها: إذا المحتوى الروحي للسفر يلبي حاجات المؤمن روحيا. وثالثها: قبول المؤمنين الشامل لمحتوى هذا السفر. وهكذا تم اختيار أسفار العهد الجديد بعناية فائقة. كثيرون يسألون عن ما هي الأبوكريفا. اُعتبرت الأبوكريفا رسميا من قبل الكنيسة الكاثوليكية عام 1546م أي بعد الإصلاح. لتكون بين أسفار الكثلكة القانونية رغم أنه لم يتم اختيارها في البدء لأنها لم تكن مقبولة أصلا.

عليك أيضا أن تفكر في اللغة الأصلية التي كُتب فيها الكتاب المقدس، كلنا يعرف أن العهد القديم كُتب باللغة العبرية، والعهد الجديد باليونانية. وينبغي على أولئك الذين يرغبون التفرغ لخدمة الإنجيل أن يكونوا ملمين بهاتين اللغتين الأصليتين للكتاب المقدس العبرية واليونانية. كون الكتاب المقدس لم يكتب أصلا بلغتنا العربية.

أمر آخر متعلق بتاريخ الكتاب المقدس، هو كيفية حفظ أسفاره عبر العصور. فكان ينبغي نسخ المخطوطات الأصلية وحفظها. لا توجد أي مخطوطة أصلية اليوم، من تلك التي كُتبت مباشرة بيد الرسل. بسبب تعرض الجلود وأراق البردي التي كتب الرسل عيها للتآكل. ولكن توجد نسخ مبكرة جدا عن هذه المخطوطات. ولكي يتوفر الكتاب المقدس في لغتنا العربية، كان ينبغي ترجمته إليها. ولهذه الترجمة تاريخ عريق، فالترجمة التي نقتبس منها هي الترجمة الإنجيلية العربية الذي بدأ بترجمتها المرسل المستشرق عالى سميث وتابعها بعده المرسل فان دايك. بمساعدة نصيف اليازجي وبطرس البستاني. وانتهى العمل فيها عاو 1860م وسُميت الترجمة بترجمة “فاندايك”.

كان لدي صديق مقرب موظف كبير في دائرة حكومية، أظهر اهتماما بهذه الدراسة وتابعها سماعا وقراءة. وسمع راعي كنيسته يقول يوما: “بحق إن الذين يعرفون الكتاب المقدس بالكنيسة، لا يؤمنون به بالضرورة. والذين يؤمنون به لا يعرفونه بالضرورة”. وإذا كان يصغي لهذه الدراسة ويقرأ الكتاب المقدس لأول مرة في حياته، قال لنفسه: “أنا أومن بالكتاب المقدس وسوف أدرسه وأعرفه”. وعلى الرغم من وظيفته الحكومية الرفيعة ذهب ودرس سنة كاملة في كلية اللاهوت. وأصبح مؤمنا راسخا عارفا لكتابه.

أمر آخر يلفت أنظارنا عندما نفكر في خلفية الكتاب المقدس هي قضية الوحي. فكيف أعرف أن الكتاب موحى به من الله؟ أعتقد أن يسوع عرفنا ذلك بطريقة واحدة، فقال لنا أنه إذا شاء إنسان أن يعمل فإنه سيعرف. فأنت لا تستطيع أن تتأكد أن الكتاب المقدس هو كلمة الله الموحى بها بمجرد الذهاب مثلا إلى كلية اللاهوت لدراسة اللغات السامية القديمة. بل، وبحسب ما يعلمنا يسوع باقترابك من كلمة الله بروح الطاعة والاستعداد للعمل بها. وعندما تعمل ما تقوله كلمة الله فسوف يحدث عملك بها تغييرا كبيرا في حياتك. لدرجة أنك سوف تعترف بقناعة راسخة قائلا حقا هذه هي كلمة الله.

عندما كان يسوع يجد تلاميذه يتبعونه كان يلتفت إليهم قائل: “ماذا تريدون؟” فكانوا يقولون له: “أين تمكث يا معلم؟” فيجيبهم يسوع: “تعالوا وانظروا”. ويُقال أنهم ذهبوا ورأوا ومكثوا معه. ونحن نعرف باقي القصة. ثم بعد ذلك يُقال أنهم ماتوا من أجله، وذلك لأنهم التزموا بأن يذهبوا وينظروا. وبهذه الطريقة أثبت لهم يسوع أن كلمته كانت كلمة الله. المنطق يقول دائما: “عندما أعرف سوف أعمل”. أي عندما تقنعني سوف أتبعك بإرادتي. لكن يسوع يقول دائما: “لا، بالعكس، اخضع إرادتك لي وبعد ذلك سوف تقتنع. “إذا فعلت”، يقول يسوع “سوف تعرف”.

منذ زمن طويل يقول الناس أنا أومن عندما أرى، أما يسوع يقول باستمرار من خلال الكتاب المقدس ما معناه أنت ترى عندما تؤمن. قال داود أنه كان سيفشل لولا أنه رأى جود الرب في أرض الأحياء، هذه هي الطريقة التي تستطيع أن تبرهن من خلالها أن الكتاب المقدس هو كلمة الله فعليك أن تلزم نفسك بأن تميل وأن تنظر إلى كلمة الله. وإذ تأتي لتنظر عليك أن تأتي بنية لتعمل إرادة الله كما هي معلنة في كلمته المقدسة، إن العمل بإرادة الله المعلنة في كلمته سوف يتبعه حتما اقتناع حقيقي بأن هذه هي كلمة الله.

مجددا كما شارك يسوع هذه الحقائق عن الكتاب المقدس مع تلاميذه فأعطتهم فهما لكلمة الله، أأمل أن هذه الدروس التي أشاركها معكم عن الكتاب المقدس تعطيكم ليس فقط فهما أفضل للكتاب المقدس بل أن تغير حياتكم.

وهنا ينتهي وقتنا الثمين معا. أذكركم بأن تدرسوا جيدا الأسئلة وأن تتذكروا العدد التالي 2بطرس 21:1، وأنا أتطلع بشوق لحلقتنا المقبلة.

:شارك هذا المنشور في شبكاتك