أرحب بكم في برنامجنا اليومي في مدرسة الكتاب المصغرة. الذي هو دراسة للكتاب المقدس سفرا بعد الآخر. لا نزال في بداية دراستنا هذه فأرجو أن ترافقونا يوميا في مثل هذا الوقت وأن تدعوا أصدقائكم لمشاركتنا هذه الدراسة.
أود في البداية أن أتكلم عن كيفية دراسة الكتاب المقدس، هناك ثلاث خطوات علينا اتخاذها في اقترابنا من دراسة الكتاب المقدس. هي الملاحظة والتفسير والتطبيق.
الملاحظة تطرح السؤال ماذا يقول النص؟ هذا ما يعني أنك عندما تنظر إلى سفر أو إصحاح أو عدد من الكتاب المقدس تحتاج أن تطرح هذا السؤال: “ماذا يقول هذا النص؟”
السؤال الثاني الذي ينبغي طرحه يتعلق بالتفسير، وهو “ماذا يعني هذا النص؟”.
السؤال الثالث الذي ينبغي طرحه يتعلق بالتطبيق. وهو “ماذا يعني هذا النص لي؟”.
وهذا في الحقيقة في غاية البساطة. فالملاحظة تسأل ماذا يقول النص، أذكر رجلا متقدما في السن كان يحضر دراسة الكتاب المقدس التي كنت أقوم بها منذ سنوات. وكلما كنت أسأل الحضور: “ماذا يعني هذا النص؟” كان هذا الرجل المسن ينظر إلى العدد الذي أسأل عنه ويقول: “يا رجل أرى أن هذا العدد يعني ببساطة ما يقوله”. وفعلا كان هذا الرجل على حق لأن كل عدد وكل إصحاح وكل سفر يعني بالتحديد ما يقوله. وهكذا نجد أن السؤال المهم هو: “ماذا يقول النص؟” وعندما تجد الجواب لهذا السؤال لن يصعب عليك أن تعرف ماذا يعني النص. إلا إذا كنت غير راغب بمعرفة ماذا يعني هذا النص. في الحقيقة إن السؤال الأهم في دراستنا هذه هو السؤال الثالث: “ماذا يعني هذا النص لي؟”
إن دراستنا هذه ليست أكاديمية، فنحن لسنا بصدد أن نفعل منكم خبراء وعلماء في الكتاب المقدس. بل رؤيتنا من خلال هذه الدراسة هي أن نقودكم من خلال مقاطع من الكتاب المقدس التي تكشف لكم إرادة الله لحياتكم اليومية. نحن مهتمون بالرسالة التعبدية وبالتطبيق التعبدي لأسفار الكتاب ولإصحاحاته ولأعداده.
فعندما تصل إلى مرحلة التطبيق تحتاج أن تسأل نفسك أسئلة كالتالي: هل هناك في النص مثال يقتضى به؟ أو مخاطر ينبغي الحظر منها؟ هل هناك وصايا ينبغي طاعتها؟ وخطايا ينبغي تركها؟ هل هناك حقائق جديدة عن الله والمسيح ينبغي تعلمها؟ أو حقائق جديدة عن حياتي الشخصية؟ هل هناك كلمات تحدي وإيحاء، كلمات تعزية وتشجيع؟ هل هناك أسئلة لا أستطيع الإجابة عليها؟ أو مقاطع أخرى مرتبطة بهذا النص؟ هذه الأسئلة سوف تساعدك على تطبيق الكتاب المقدس على حياتك خلال دراستك له.
الآن سوف أشارك معكم بعض القواعد التي نسميها قواعد درس الكتاب المقدس. والتي يسميها اللاهوتيون علم التفسير. وإليكم واحدة: فعندما تقتربوا من مقطع في الكتاب المقدس تذكر هذا ينبغي أن يكون لهذا النص تفسير واحد، ولكن قد يكون هنالك ألف تطبيق. فالتطبيق مختلف عن التفسير. فالتفسير يحتمل معنا واحدا، وهذا يتطلب التواضع خاصة عندما يخالفك الآخرون رأيك في التفسير. ولكن في التطبيق قد يكون هناك ألف طريقة يطبق بها الروح القدس هذا المقطع على حياتك.
وبما أن الكتاب المقدس يتكلم عن المسيح فعلينا باستمرار أن نفتش عن المسيح خلال قراءتنا للكتاب. وعندما تدرس العهد القديم تذكر أنك تبحث عن أمثلة وتحذيرات وبطريقة ما نجد أن الأسفار السبعة عشر الأولى من الكتاب هي التاريخ. فهناك الكثير من التاريخ في أسفار الناموس والأنبياء، وتذكر عندما تقرأ التاريخ سواء في أسفار العهد القديم أو في سفر أعمال الرسل التاريخي في العهد الجديد، أن تبحث عن نماذج للإتباع وتحذيرات للانتباه. فأحداث الكتاب المقدس التاريخية قد يكون لها معاني مجازية أيضا. وهذا ما أقصده في قولي هذا، في غلاطية الإصحاح الرابع والأعداد 22 إلى 24، يقول الرسول بولس: “فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ كَانَ لإِبْرَاهِيمَ ابْنَانِ، … وَكُلُّ ذلِكَ رَمْزٌ”، ولا أحد يشك في هذه المعلومات التاريخية، فقد كان لإبراهيم ابنان، إسحق وإسماعيل، أصبح إسماعيل أبو العرب، وأصبح اسحق أبا اليهود، وهكذا تواجد العرب واليهود في الراضي المقدسة, وهذا أمر تاريخي.
وما يعنيه الرسول بولس بقوله: كان لإبراهيم ابنان وكل هذا رمز أنه من حيث المبدأ والعرف يمكن لقصة تاريخية في الكتاب المقدس أن يكون لها معنى رمزيا أيضا. وعندما يقول الرسول بولس أن كل هذه الأمور حدثت لهم مثالا يستخدم كلمة يونانية خاصة لعبارة مثال، إنها مثل عبارة نموذج. فعندما يقول أن كل هذه الأمور حدثت لهم كنماذج، أو كدروس موضوعية أو كرموز، فعندما تقرأ الأدب التاريخي في العهد القديم فعلاوة على انتباهك للتاريخ أنظر أيضا إلى تلك الرموز أو النماذج أو التحذيرات.
قاعدة أخرى من تفسير الكتاب هي تفسير المقطع الصعب أو الغامض على ضوء المقاطع السهلة والواضحة. فهناك أعداد كثيرة في الكتاب المقدس يصعب فهمها. ولكن هناك الكثير من المقاطع السهلة التي ينبغي تفسير المقاطع الصعبة على ضوئها.
قاعدة أخرى لدرس الكتاب المقدس هي، أن لا تقترب من مقطع كتابي ما وفي فكرك مفهوم أو فكرة مسبقة عن ما يجب أن يعنيه المقطع.
كراعي، في يوم من الأيام شاركت مع سيدة كانت تمر بمشاكل بعض الأعداد من الكتاب المقدس. فقالت لي: “أيها القس، لا تشوش ذهني من جهة الكتاب المقدس” يقترب البعض من الكتاب المقدس وهم قد سبقوا وحسموا أمرهم. فعندما يريد الله أن يريك ما يقوله نص الكتاب المقدس وما يريده الله أن يعني النص فإن حكمك المسبق يعقد الأمور ويصعبها.
مبدأ آخر مهم في درس كلمة الله خاصة وإن كنت ستعلمها بدورك للآخرين، هو أن تسأل نفسك بعد أن تفهم معنى النص الكتابي ما إذا كنت أنت شخصيا مستعدا لطاعة هذا المقطع قبل تعليمه للآخرين.
وإليك مبدأ آخر أيضا تذكر أن الله يتكلم إلينا دائما من خلال كلمته. فاقترب دائما من كلمة الله بتأني سائلا الله أن يعلن لك دروسا شخصية. بواسطة الروح القدس. يقول المر نم: “افتح عيني لأرى ومضات الحقيقة التي تريد أن تعلنها لي. وهكذا عليك أن تقترب من الكتاب المقدس ليس بطريقة أكاديمية ولا محاولا أن تصبح عالما أو خبيرا في الكتاب المقدس، بل محاولا أن تتصل بالله وأن تفتح عقلك وقلبك ليكلمك الله من خلالهما. فعندما تصلي صلي هكذا: “يا رب افتح عيني لكي أرى الحقيقة التي تريد أن تعلنها لي اليوم”. هذه هي الطريقة التي عليها أن تقترب بها إلى الكتاب المقدس.
كن مستعدا للاعتراف أن هناك مقاطع كتابية يصعب عليك فهمها. فهناك بعض المقاطع صعبة جدا في الكتاب المقدس. وعليك ألا تفشل عندما تجد واحدا منها أمامك. مثل النص في 1 بطرس 19:3. فقد قرأت تفسيره حديثا لمارتن لوثر حيث قال: “لا يوجد أحد يعرف معنى هذا العدد”. ففرحت جدا لأني وجدت شخصا أمينا ليقول أنه لا يوجد أحد يفهم معنى هذا العدد. أعتقد أنه يوجد العديد من هذه العداد في الكتاب المقدس. فلا تصب بخيبة أمل إذا قابلك واحد منها.
أيضا عليك أن تحذر من إعطاء أهمية للأمور الصغيرة في الكتاب المقدس بمقدار ما تعطي أهمية للحقائق الأساسية والكبيرة في كلمة الله, هناك عدد سهل الحفظ في تثنية 29:29 حيث يقول الكتاب ما معناه “السرائر للرب والأمور التي يريدنا أن نعملها جعلها واضحة جدا”. قال أحدهم للمؤلف الشهير “مارك توين”: “أنا لا أحب الكتاب المقدس لأنه فيه الكثير من الأعداد التي لا أفهمها. فأجاب مارك توين: “ما أجده صعبا في الكتاب المقدس هو ليس ما لا أفهمه بل ما افهمه”.
هناك سرائر تخص الرب وهو لا يعلنها لأحد ولكن هناك أمور معينة يريدنا أن نعملها ولقد جعلها واضحة جدا. فلا تنزلق بالاهتمام بإفراط بالأمور الصعبة والغامضة أي بتلك السرائر التي لا يريد الله أن يعلنها لأحد.
ولا تنسى أبدا أنه لا يوجد ولا أي عدد في الكتاب المقدس الذي يمكن تفسيره بمعزل عن باقي الكتاب. هذا ما يعنيه بطرس الرسول في 2بطرس 20:1 حيث يقول: “أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ”. فأفضل تفسير للكتاب المقدس هو الكتاب نفسه. فيمكنك أن تشتري كل التفاسير والأدوات المساعدة التي سبق واقترحتها عليك ولكن لا تنسى هذا خاصة عندما تقرأ العهد القديم. فإذا كان العهد الجديد يفسر القديم تذكر أن الكتاب المقدس هو أفضل مفسر لنفسه. تعال للكتاب المقدس باحثا عن حقائق لحياتك العملية وليس لمجرد توسيع معرفتك الشخصية.
في هذا الإطار تذكر أن المعرفة الكتابية ليست فضيلة بحد ذاتها بل الفضيلة تنبع من تطبيق المعرفة الكتابية. في حضارة اليوم تسود الفكرة أن المعرفة فضيلة فكل ما زادت معرفتك كلما ازدادت فضيلتك. كثيرون يدخلون هذه العقلية إلى الكتاب المقدس. وهذا ليس صحيحا فالمعرفة ليست فضيلة ولا حتى المعرفة الكتابية، ولكن تطبيق المعرفة ولاسيما المعرفة الكتابية هو الذي يجعل منك فاضلا. فعندما تقترب من الكتاب المقدس لا يكن همك فقط أن تصبح عالما في الكتاب، تعال بالطريقة التي علمها يسوع، تعال بإرادة لتعمل ولتعمل ما تطلبه منك كلمة الله، يتحول العمل إلى علم، والإرادة إلى معرفة حقيقية لكلمة الله. إن العمل بكلمة الله وطاعتها هو سيجعل منها قوة حقيقية في حياتك.
وهناك مبدأ مهم آخر ساعدني كثيرا في قراءة العهد القديم بشكل خاص، عندما تقترب من الكتاب المقدس فتش عن تلك الحقيقة التي تستطيع العيش بموجبها دون الانشغال بالشكل الأدبي التي قدمت هذه الحقيقة فيه. وهذا ما أعنيه بهذا القول عندما يذكر سفر يونان سرعان ما يبدأ الجدل حول لإمكانية أو عدم إمكانية ابتلاع الحيتان للإنسان. وكأن هذه هي الرسالة الأساسية التي أراد سفر يونان نقلها إلينا، وهكذا يتحول الجدل إلى حقيقة سفر يونان التاريخية، ويدعي البعض أن هذا لا يمكن أن يكون حقيقة واقعية بل هو خرافة من نسج الخيال ولا يمكن تصديق النص حرفيا هنا.
بصراحة إن في سفر يونان حقيقة عظيمة نتعلمها، فعندما ننظر لهذا السفر نكون متشوقين لنعرف تلك الحقيقة التي هي عن الحكام المسبقة. فسفر يونان هي قصة نبي كره أهل نينوى لأنهم كانوا أعدائه. أراد الله أن يري يونان أن محبته تشمل الأعداء أيضا، هذه هي رسالة السفر، تخطي الحكام المسبقة. لكي يعمل الله من خلالك. ليست القضية في الأساس قضية ابتلاع الحيتان للإنسان.
سمعت أحدهم يقول مرة: “إن كنت أومن أن الله يمكن أن يخلص خاطئ مثلي فأنا أومن أن يونان ابتلع الحوت”. قد نتقبل هكذا موقف ولكنه ليس المقصود من رسالة سفر يونان، فعندما تقترب من سفر يونان أو قصة آدم وحواء أو أية قصة أخرى في العهد القديم اقترب من هذه القصة طارحا الأسئلة التالية: ماذا تقول هذه القصة؟ وماذا تعني هذه القصة؟ وماذا تعني لي أنا شخصيا؟ وما هي الحقيقة التي تريد يا رب أن تعلنها لي في هذه القصة؟
نقرأ في مزمور 160:119 “رَأْسُ كَلاَمِكَ حَقٌّ” وهذا يعني أنه عندما تقترب من الكتاب المقدس فتش عن قمة الحقيقة. أي عن الصورة الإجمالية للحقيقة التي يريد النص أن يعبر عنها وعن الرسالة الأساسية التي يريدك الله أن تعرفها.
بهذه الذهنية عليك أن تنظر إلى معظم أسفار الكتاب ولا سيما في العهد الجديد، باحثا عما يسمى حجة الكتاب الأساسية. والحجة عامة هي فكرة أساسية تنساب عبر السفر من بدايته لنهايته كما يظهر في سفر رومية والعبرانيين. إذ لم يتم تقسيم نصوص الكتاب المقدس إلى إصحاحات حتى القرن الثالث عشر. أما التقسيم إلى أعداد فقد ظهر في القرن السادس عشر. هذا يعني أن الرسل الذين كتبوا أسفار العهد الجديد لم يكونوا يعرفون ولا حتى معنى إصحاح ولا عدد لأنها رتبت بعدها بقرون.
أحيانا يكون التقسيم إلى إصحاحات وأعداد مساعدا جدا، ولكن أحيانا أخرى يمكن أن يقطع هذا التقسيم سياق تفكيرك ويجعلك تفوت على نفسك الفكرة الأساسية التي يريد كاتب السفر أن يقدمها. لهذا عليك أن تفتش على حجة السفر أو فكرته الأساسية. أيضا عليك أن تنتبه باستمرار لقرينة النص. أي ما جاء قبله وبعده لأن إحدى الطرق الماكرة للكذب هي تزوير الحقيقة بتقديمها مقتطعة عن قرينتها. ولهذا يفسر البعض الكتاب المقدس بطريقة تناسب دوافعهم وذلك بمعزل النص عن قرينته.
تذكر أن الكتاب المقدس هو الطريقة التي يكلمنا بها الله فعلينا أن نقرأه بروح الصلاة. وبما انك مستعد أن تطيع ما يعلمه الكتاب المقدس اقرأه وأنت تقول مع النبي صموئيل: “تكلم يا رب لأن عبدك سامع”. اقترب من الكتاب المقدس وأنت تصلي مثل تومى القمبيزي قائلا: “فلتصمت كل الأصوات وليكلمني صوتك وحدك يا رب في هذه الأيام التي تكثر فيها الأصوات التي تشوش عقولنا نحتاج إلى أوقات خلوة مع الله ندرس كلمته ونصلي أن تصمت كل الأصوات المشوشة وأن يكلمنا صوت الله وحده. وصلاتي أن تدخل أنت إلى قلب كلمة الله وأن تدخل كلمة الله إلى قلبك.
كل ما شاركناه معك أيها المستمع الكريم كان بمثابة مقدمة عن ماهية الكتاب المقدس، عن غايته وعن كيفية دراسته.
أما الآن سوف أشرع بالحديث عن أول أسفار الكتاب المقدس: سفر التكوين. وسفر التكوين هو عن البدايات وأصل الأشياء. فلماذا يبدأ الله كتابه المقدس بالحديث عن بداية الأشياء؟
في سفر التكوين يخبرنا الله كيف كانت الأمور في البداية لنفهم كيف هي اليوم. أنا أعتقد أن يسوع يعطينا مفتاح سفر التكوين، ففي إنجيل متى الإصحاح التاسع عشر جاء أشخاص إلى يسوع وسألوه عن الزواج فأجابهم بما معناه إذا أردتم أن تفهموا الزواج كما هو اليوم فعليكم أن تدرسوا الزواج كما كان في البداية. ارجعوا إلى موسى، إلى سفر التكوين واسألوا أنفسكم هذا السؤال: “ماذا قصد الله عندما خلقهما ذكر وأنثى؟” ادرسوا الزواج كما كان وستفهمون الزواج كما هو اليوم. هذا هو مفتاح سفر التكوين.
أعتقد أنه ينبغي أن نقترب من سفر التكوين من هذا المنظور، سوف نناقش موضع تلو الآخر من سفر التكوين وفقا للبدايات. وأنت تأتي إلى كل من هذه الموضوعات من سفر التكوين اسأل نفسك هذا السؤال: “يا رب ماذا تعني في البداية حتى أفهم ما هو عليه الآن. أقترح عليك أن تقرأ سفر التكوين من هذا المنظور.
في سفر التكوين، يتكلم الله عن الخلق كما كان عليه في البدء لكي نفهم الخلق كما هو عليه اليوم. ولقد سبق وذكرنا أن إصحاحات الكتاب المقدس هي 1189، وإصحاح ونصف فقط من كل هذه يتكلم عن الخليقة. عندما تتناقش أحيانا مع أشخاص عقلانيين عن الأمور الدينية تظن أن موضوع الخلق هو الموضوع الوحيد الذي يعالجه الكتاب المقدس. ولكن الحقيقة أن الكتاب يعالج هذا الموضوع باختصار فقط في إصحاح ونصف.
ولكن لماذا تعالج كلمة الله موضوع الخلق؟ ما يقوله الله لنا في سفر التكوين عن الخلق وكيف كان، هو لأنه يعلم أننا سنحتاج في يوم ما أن يعمل الله فينا عمل الخلق مجددا، تماما كما حدث مع داود. فعندما سقط الملك داود صلى قائلا: “قلبا نقيا أخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي”. وما قصده داود في صلاته هذه في مزمور 10:51 هو التالي: يا الله أنا احتاج إلى عمل خلق في قلبي فإن لم تخلق في شيئا لم يكن موجودا سابقا سوف أفشل ثانية لذلك أحتاج أن تخلقني من جديد.
عندما تكلم يسوع عن الولادة من جديد قال: “ينبغي أن تولدوا ثانية لأن المولود من الجسد جسد هو”. وعندما علق الرسل على تعليم يسوع عن الولادة الثانية دعوها باختبار الخلق. “إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا” فالله يعمل عمل خلق في قلب الإنسان المولود من جديد. هذا هو عمل الخلق كما هو عليه اليوم، فعندما ندرك حاجتنا لعمل الخلق هذا، فالله يريدنا أن نلتفت إليه لأنه وحده القادر أن يفعل ذلك. هذا هو السبب الذي من أجله يخبرنا الله كيف أحدث الخلق قديما لكي نقدر بالأكثر عمل الخلق اليوم.
وفي سفر التكوين لدينا كلمات تساعدنا على تذكر هذه النظرة، فالله يخبرنا عن الإنسان المخلوق كما كان عليه قديما وكما هو عليه اليوم. وهكذا فهو يخبرنا في سفر التكوين عن حالة الإنسان آن ذاك لكي يساعدنا أن نفهم حالتنا اليوم. ففي الإصحاح الثالث من سفر التكوين يخبرنا الله عما نسميه أزمة ويسميه الكتاب خطية. ماذا فعل آدم وحواء في تلك الجنة؟ إذا نظرت إلى الإصحاح الثالث من سفر التكوين، تذكر أن هذا الإصحاح يخبرنا عن حالة الخطية آن ذاك لكي نفهم حالة الخطية اليوم.
فسرعان ما اخطأ آدم وحواء حتى بدأ الله بالتكلم معهما. وهذا جميل. وعندما ترى الله في الإصحاح الثالث من سفر التكوين يفتش عن الإنسان ويسأله: أين أنت؟ من قال لك؟ ترى نوعا من الاتصال بين الله والإنسان، وهذه صورة عن كيف كان الاتصال آن ذاك لكي نفهم الاتصال مع الله اليوم. لقد تسبب فشل الإنسان في معضلة الخطية نتائج وخيمة. ففي الإصحاح الرابع نجد بداية الصراعات كما حدثت بين قايين وهابيل. فالله يرينا أن نفهم الصراعات بين الأمم المختلفة اليوم، ولهذا يخبرنا عنها كما بدأت قديما.
في الإصحاحات من ستة إلى تسعة في تكوين يتكلم الله عن الكارثة كما كانت لكي نفهم الكارثة كما هي اليوم. فلقد دمر الله العالم بأثره وهذا ما سمي بالطوفان، حيث تكلم الله هنا عن قصة نوح والطوفان.
والعهد الجديد يفسر قصة نوح والطوفان ويعلق يسوع عليها مرتين عندما يقارنها بمجيئه الثاني. وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يخبرنا أنها صورة عن الإيمان فهو يركز على إيمان نوح ويقول لنا هذا هو الدرس الذي علينا تعلمه من هذه الكارثة. أما بطرس الرسول فيشبهها بالخلاص. فهو يقول ما معناه أن نوح فتح الفلك أمام الناس وقال يمكنكم أن تدخلوا هذا الفلك وتخلصوا وهذا رمز جيد عما ندعوه اليوم بالخلاص. وبينما تقرأ عن الطوفان اسأل نفسك ما هو الأمر الذي يوصف هنا كما كان وماذا يريدني الله أن أفهم كما هو الآن؟ ولابد أنك ستجد تطبيقا لهذه القصة.
وفي سفر التكوين أيضا تجد العهد بين الله والإنسان، حيث تجد ظاهرة اقتراب الله من الإنسان ليؤسس معه عهدا وهذا يتكرر تباعا في الكتاب المقدس. فعندما يلتقي يسوع بالتلاميذ يقول لهم: “هلم ورائي وسأجعلكم، اتبعوني هذا دوركم وسأجعلكم هذا دوري”. هذا عهد أو اتفاق، والله يقطع عهودا مثل هذه معنا، وهذا هو المقصود بالعهد القديم أي الاتفاق القديم, وكذلك فيما يتعلق بالعهد الجديد، فالعهد القديم هو آمنوا بي إذا قلت لكم أني سأعمل شيئا بخصوص الانفصال بين الله والإنسان لأن يسوع سيأتي. أما العهد الجديد فهو آمنوا بي إذا قلت لكم إني عملت شيئا بخصوص هذا الانفصال لأن يسوع جاء. فالله يريدنا أن ندخل معه في عهد إيمان. في العهد كما كان لكي نفهم العهد كما هو الآن.
في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين نجد قصة مشوقة. نجد أناسا يتوحدون والله ينظر إليهم من سمائه ويقول انظر إلى هؤلاء الأشرار يتحدون معا مستخدمين عصارة تقنيتهم وعقلهم. ولماذا فإنهم عندما يتحدون معا لا يصعب عليهم أمر، سوف أنزل وأفرقهم. وهكذا ينزل الرب ويفرق هذا الإتحاد. يبدو أن الله لعدة قرون أعاق الناس عمدا عن توحيد قدراتهم وتقنياتهم. لقد فرق لغاتهم فلم يعودوا قادرين على التفاهم. أليس ما يدعو للدهشة أنه في بداية القرن الماضي حاولي عام 1900 أن الله عاد وسمح للناس أن يتفاهموا معا، فوسائل النقل والاتصال والتقنية عادت لتوحد العالم ومع هذه التقنية تقريبا لا يصعب على الإنسان أمر. لقد أصبح للإنسان القدرة على تدمير ذاته مرارا بسبب أنه وحد عقله.
لقد قام أشخاص أذكياء خلال الحرب العالمية الثانية بتجميع القنبلة الذرية، وبالفعل عندما وحد الإنسان تقنيته بدأ بتحقيق أمور عجيبة. والمدهش أن الله قال عندما بدأ الإنسان يوحد جهوده: “توقفوا عند حدكم، فلدي أمر أود أن أفعله”، وهكذا دعي الله إبراهيم وبدأ مرحلة تاريخية امتدت ألفي عام، وفيما بعد يبدو أن الله عاد وسمح للناس أن يتوحدوا قائلا لهم: “حسنا هيا توحدوا وقوموا بما تخططون له”. فإذا تساءلت عما إذا كان العالم يتقدم أم يتقهقر كون الله سمح للإنسان أن يتوحد من جديد تفهم ما يقوله الله لنا في قصة بابل المأخوذة من تكوين 11 عما هو كان وما هو كائن الآن.
ابتداء من تكوين 12 نجد هناك ثلاث شخصيات، إبراهيم ويعقوب ويوسف. يعلمنا الله أمورا كثيرة في الكتاب المقدس من خلال دراسة الشخصيات. فهو يريدنا أن نفهم الإيمان ولهذا يعرفنا على شخص يدعى إبراهيم. يريدنا الله أن نفهم ما نسميه بأزمة الهوية، ولهذا يعرفنا على شخص اسمه يعقوب. يريد الله أن يعرفنا أنه هو المسئول والسيد على ظروفنا ولذلك يعرفنا على شخص اسمه يوسف.
كانت هذه لمحة عن سفر التكوين، فبينما تقرا هذا السفر فتش عن حالة الأمور كما كانت عليه من زمان وعندها اسأل نفسك ماذا يريدنا الله أن أعرف كيف هو الآن فأخبرني عنه في سفر التكوين كيف كان.
الآن نحن فعلا قد شرعنا في دراسة الكتاب المقدس، وأود أن أضع أمامك ثلاثة تحديات أولا أن لا تفوت على نفسك ولا أية حلقة من حلقات الدراسة هذه وأن تطلب نسخا من الكتيبات. ثانيا أدعو أصدقائك وأفراد عائلتك للاستماع إلى هذه الدروس القيمة من كلمة الله. وأخيرا ابدأ الآن بقراءة سفر التكوين وتذكر أن تسأل نفسك هذه الأسئلة: ماذا يقول؟ ماذا يعني؟ ماذا يعني لي؟ وماذا يريدني الله أن اعمل بما يعلمني إياه.